ماهية قانون حماية البيئة
إن دراسة موضوع البيئة من الناحية القانونية يتطلب تحديد بعض المصطلحات نظرا لأهميتها و ارتباطها بمجال الحماية ، فحينما نحدد مفهوم البيئة هناك مصطلحات أخرى تقترب منها في الفهم كمصطلح الطبيعة ، التلوث و التنمية المستدامة ، و تظهر أهمية ذلك لاسيما فيما يخص وصف الضرر البيئي من جهة و من جهة أخرى فإن الإجراءات القانونية التي تضمنها قانون اليبئة لها علاقة وثيقة بهذه المفاهيم هذا من ناحية .
و من ناحية ثانية فإن اشكالية بحثنا لها علاقة بتحديد مفهوم قانون حماية البيئة الذي يحدد لنا مكانة قانون البيئة من فروع القانون .
و من ناحية أخيرة فمن الأولى أن نتعرض إلى التطور التشريعي الذي مر به قانون البيئة الجزائري بغرض معرفة تطور مجالات الحماية .
و ستتم معالجة النقاط الثلاث السالفة الذكر في مباحث ثلاثة :
المبحث الأول
مفهـــوم البيــئة
إن موضوع البيئة يعد موضوعا متشعبا لا يمكن اعتباره موضوعا مستوفيا لجميع الجوانب كما لا يمكن تجسيد مفهومه بمعزل عن جملة الجوانب المتعلقة به،نظرا لطبيعة المشاكل المطروحة في هذا السياق من جهة و من جهة أخرى بالنظر إلى طبيعة الدراسة التي تتناول هذا الموضوع ،فنظرة البيولوجي للبيئة ترتكز على الجانب الصحي فيما تقتصر نظرة الإقتصادي على الجانب المالي وحتى نتفادى وجود إلتباس في مفهوم البيئة تعين تحديده وفقا للمفاهيم الأخرى المرتبطة به .
المطلب الأول
تعريف البيـئة
لأجل البحث في موضوع البيئة و كافة الإشكالات التي يثيرها يستوجب إعطاء تعريف دقيق للبيئة و نستهل ذلك بتعريفها لغة و اصطلاحا لنصل في الأخير إلى وضع تعريف قانوني لها .
الفرع الأول
التعريف اللغوي و الإصطلاحي
إن كلمة بيئة ، كلمة مشتقة من الفعل "بوأ" و هذا ما يستشف من الآية الكريمة بعد قوله تعالى : " و اذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد و بوّّأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا و تنحتون من الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله و لا تعثوا في الأرض مفسدين "(1).
و يقال لغة :تبوّأت منزلا بمعنى هيأته و اتخذته محل إقامة لي (2) ، و قد يعنى لغويا بالبيئة الوسط و الاكتناف و الإحاطة .(3)
فيما يرى البعض الآخر أن البيئة لفظ شائع يرتبط مدلولها بنمط العلاقة بينها و بين مستخدميها حيث نجد أن بيئة الإنسان الأولى هي رحم أمه ثم بيته فمدرسته (4).
أما فيما يخص علم البيئة فهو مصطلح إغريقي مركب من كلمتين :"oikos" بمعنى منزل و"logos" بمعنى العلم ، و بذلك فعلم البيئة هو العلم الذي يهتم بدراسة الكائن في منزله حيث يتأثر الكائن الحي بمجموعة من العوامل الحية و البيولوجية و غير الحية الكيميائية و الفيزيائية (5).
أما التعريف الإصطلاحي فمن الصعوبة بما كان وضع تعريف جامع مانع للبيئة نظرا لوجود عدة مفاهيـم لها صلة وثيقـة بها،لذا فهناك من يرى أن مفهوم البيئة يعكـس كل شيء يرتبـط
1- سورة الأعراف الآية رقم 74 .
2- د.إحسان علي محاسنه،البيئة والصحة العامة،دار الشروق ،1991 ص 17.
3-د.سهيل إدريس ،د.جبور عبد النور ،قاموس المنهل الوسيط ،فرنسي عربي،دار الأدب ص 934 .
4-د.عبد الحكم عبد اللطيف الصغيري ،البيئة في الفكر الإنساني والواقع الإيماني،الدار المصرية اللبنانية،1994 ص17 .
5-د.إحسان علي محاسنه ،المرجع السابق، ص17 .أنظر كذلك :
P/Prieur Michel ,Droit de l’environnement,Presise Dalloz, 2eme édition 1991,page2
بالكائنات الحية (1)، و هناك من يعتبر البيئة جميع العوامل الحية و غير الحية التي تؤثر على الكائن الحي بطريق مباشر أو غير مباشر و في أي فترة من فترات حياته (2).
فيما نجد تعريفا آخر يتجه إلى أن البيئة هي المحيط الذي يعيش فيه الإنسان بما يشمله من ماء ، هواء فضاء ، تربة ، كائنات حية و منشآت أقامها الإنسان لإشباع حاجاته (3)¬.
وبالنظر إلى هذا التعريف نجده وعلى خلاف التعاريف السابقة قد أضاف عنصرا جديدا إلى جانب العناصر الحية وغير الحية ، ويتمثل في جملة المنشآت التي أقامها الإنسان كجزء هام من مكونات الموارد البيئية.
ومن جملة التعاريف السابقة، يمكننا وضع تعريف تقريبي للبيئة قوامه أنها مجموعة من العوامل الطبيعية الحية منها و غير الحية من جهة ، و مجموعة من العوامل الوضعية المتمثلة في كل ما أقامه الإنسان من منشآت لسد حاجياته من جهة أخرى.
الفرع الثاني
التعريف القانوني
بالرجوع إلى القانون رقم 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة(4) ، نجد أن المشرع الجزائري لم يعط تعريفا دقيقا للبيئة ، حيث نجد المادة 2 منه تنص على أهداف حماية البيئة فيما تضمنت المادة 3 منه مكونات البيئة .
ولئن كان المشرع الجزائري لم يفرد البيئة بتعريف خاص إلا أنه و بالرجوع إلى القانون رقم 03/10 السالف الذكر، يمكن اعتبار البيئة ذلك المحيط الذي يعيش فيه الإنسان بما يشمله من ماء هواء ، تربة ، كائنات حية و غير حية و منشآت مختلفة ، و بذلك فالبيئة تضم كلاّ من البيئة الطبيعية و الاصطناعية .
1- د.منى قاسم ،التلوث البيئي والتنمية الاقتصادية ،الدار المصرية ،الطبعة الثانية ،1994 ص 35
2- نفس المرجع ،نفس الصفحة.
3-د.ماجد راغب الحلو،قانون حماية البيئة ،دار المطبوعات الجامعية ،الإسكندرية ،الطبعة 1994 ص 21 أنظر كذلك ا الموسوعة العربية العالمية ، الجزء الخامس ، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع ص 350 .
4-Prieur Michel , Droit de l’environnement , op cit , page2
و بخلاف التشريع الجزائري نجد تشريعات بعض الدول قد خصت البيئة بتعاريف مضبوطة منها التشريع المصري الذي عرّف البيئة بأنها المحيط الحيوي الذي يشمل الكائنات الحية و ما تحتويه من مواد و ما يحيط بها من هواء ، ماء ، تربة و ما يقيمه الإنسان من منشآت (1).
أما التشريع الفرنسي فقد تبنى تعريف مصطلح البيئة لأول مرة في القانون الصادر بتاريخ 10/07/1976 المتعلق بحماية الطبيعة ، فجاء في المادة الأولى منه بأن البيئة مجموعة من العناصر هي: الطبيعة، الفصائل الحيوانية والنباتية ، الهواء ،الأرض ، الثروة المنجمية والمظاهر الطبيعية المختلفة .(2)
من خلال التعاريف السابقة، يتضح لنا أن مدلول البيئة لا يخرج عن مجموعة من العناصر يمكن حصرها في صنفين :
الصنف الأول : و يشمل مجموعة من العوامل الطبيعية من ماء ، هواء ، تربة و كائنات حيوانية و نباتية .
الصنف الثاني : و يشمل كل مااستحدثه الإنسان من منشآت .
المطلب الثاني
علاقة البيئة ببعض المفاهيم
تبعا للتعاريف المشار إليها سابقا، لاحظنا أنها ترتكز على الطبيعة ، إذ تشكل هذه الأخيرة الجزء الأكبر من مفهوم البيئة ،كما يظهر مصطلح التلوث كلما أثيرت مسألة حماية البيئة، بالإضافة إلى الترابط الوثيق بين البيئة و الفكرة التي جاء بها مؤتمر ريودي جانيرو(3) , المتمثلة في التنمية المستدامة .
لأجل ذلك تعين إبراز علاقة البيئة بالمفاهيم المذكورة أعلاه ، كي نتمكن من التوصل إلى مدى
1- القانون رقم 03/10 المؤرخ في 20/07/2003 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة ،الجريدة الرسمية العدد 43
لسنة 2003.
2- المادة 1 من القانون المصري الجديد رقم 04 الصادر في 02/02/1994 الجريدة الرسمية العدد 5 الصادرة في
03 /02/1994 أنظر كذلك :
د.عبد الفتاح مراد ،شرح تشريعات البيئة في مصر وفي الدول العربية محليا ودوليا ،دار نشر الكتب والوثائق المصرية1996
ص 359 -397 .
-3مؤتمر ريودي جانيرو :هو ثاني مؤتمر دولي حول البيئة ،انعقد في مدينة ريودي جانيرو البرازيلية في جوان 1992 وهو ما يعرف بقمة الأرض وقد ركز هذا الأخير على علاقة البيئة بالتنمية المستدامة .
الانسجام الذي يمكن ملاحظته بين كل من الواقع و النصوص القانونية .
الفرع الأول
علاقة البيئة بالطبيعة
تعتبر الطبيعة كل ما يحيط بالإنسان من موارد الحياة المختلفة ، و الفصائل الحيوانية و النباتية و الموارد الطبيعية و ما يترتب على استغلالها من آثار سلبية أو إيجابية.
إن الكلام على البيئة هو الكلام على حماية الموارد الطبيعية، باعتبار أن الطبيعة هي عامل من عوامل التكيف بين الإنسان و البيئة ،و لعل تطور حياة الإنسان زامن زيادة رغبته و حاجته في استغلال الطبيعة،وعليه فإن المحافظة على البيئة يعني صيانة كل ماهو مصدر من مصادر الطبيعة (1).
كما تظهر علاقة البيئة بالطبيعة من خلال المشاكل التي تواجهها الطبيعة و التي لها علاقة باستنـزاف الموارد البيئية ، منها مشكلة التصحر ، مشكلة انقراض الكائنات الحيوانية و النباتية اختلاف العناصر الطبيعية ، تدهور السواحل ...إلخ .
و في هذا الإطار ستقتصر دراستنا على التطرق لبعض المشاكل على سبيل المثال لا الحصر
1/ مشكلة التصحر : عرفته منظمة الثقافة و العلوم و التربية "اليونيسكو" بأنه :" تحطيم القدرات البيولوجية للأرض و الذي قد يؤدي في النهاية إلى ظهور ظروف قاحلة من شأنها أن تؤدي إلى الإتلاف الشامل للأنظمة البيئية من بينها فقدان الأراضي لخصوبتها و التدهور النوعي للغطاء النباتي و هجرة الحيوانات و الطيور و تقليص عددها" (2).
2/ تدهور السواحل : تشهد السواحل وضعية مزرية، بسبب تراكم المواد السامة الملوثة الناتجة عن عمليات تفريغ الملوثات الصناعية و النفايات الحضرية و نهب الرمال .
3/ خطر يهدد التنوع البيولوجي : يعرّف التنوع البيولوجي بأنه رصيد البيئة الطبيعية من الأنواع النباتية و الحيوانية المرئية المتفاعلة مع بعضها البعض من ناحية و مع العناصر غير الحية من غذاء وكساء و راحة نفسية و معرفة و ثقافة و ابتكار (3).
1- د.يسري دعبس ،الموارد الإقتصادية ،ماهيتها ،أنواعها ،اقتصاديتها ،سلسلة المعارف الاقتصادية 1996 ص 13-18 .
2 - ندوات مشروع الحزام الأخضر لدول شمال إفريقيا بعنوان وقف التصحر لدول الشمال الإفريقي ،من إعداد المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ،مراكش ،المملكة المغربية ،أيام دراسية دامت من 7 إلى 11 أكتوبر 1985 ص 49.
3- أنظر المقال بعنوان :التنوع البيولوجي في خطر ،منشور في جريدة الجامعة ،الصادرة في 16/06/1998 العدد 94 ص 14 .
و يبرز الخطر الذي يهدد التنوع البيولوجي مثلا من خلال انقراض بعض الأنواع من النباتات أو الحيوانات مما يؤدي إلى خسائر عديدة أبرزها :
1- فقدان مصادر المعرفة العلمية ،ذلك أن معظم الإبتكارات مستوحاة من العالم الحي .
2- خسارة مصادر معتبرة من الأدوية التي تنقذ الكائن البشري من الأمراض والأوبئة .
و أمام هذا الوضع المستعصي، يتعين الإسراع في اتخاذ التدابير اللازمة كإجراء عملية المسح لمعرفة الكائنات الحية و تحديد أماكن انتشارها، بالإضافة إلى ضرورة إنشاء المحميات الطبيعية في مختلف المواقع الجزائرية، بغية الحفاظ على الأصناف المتواجدة و كذلك إجراء دراسات معمقة للأماكن التي ستقام عليها المصانع و المنشآت مستقبلا.
لكن بالرجوع إلى نص المادتين : 10و11 من القانون رقم 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة يتضح أن المشرع الجزائري لم يقف موقفا سلبيا اتجاه الاستنـزاف الخطير للموارد الطبيعية ، إذ اعتبر أن الدولة ملزمة بضمان حراسة مختلف مكونات البيئة، كما أنها تسهر على حماية الطبيعة .
الفرع الثاني
علاقة البيئة بالتلوث
يعرّف البعض التلوث على أنه مجموعة التغيرات غير المرغوبة التي تحيط بالإنسان من خلال حدوث تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة من شأنها التغيير في المكونات الطبيعية، الكيمائية و البيولوجية للبيئة مما يؤثر على الإنسان و نوعية الحياة (1).
و لقد ورد في تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي التابع للأمم المتحدة لسنة 1956 حول تلوث الوسط و التدابير المتخذة لمكافحته تعريف لمصطلح التلوث بأنه: " التغيير الذي يحدث بفعل التأثير المباشر أو غير المباشر للأنشطة الإنسانية في تكوين أو في حالة الوسط على نحو يخل ببعض